الأربعاء، 6 أغسطس 2014

أغيثوا غزة ... أغيثوا غزة


أصبح واضحاً و جلياً كما بينا موقف دولة الخلافة الاسلامية مما يجري من فظائع و اذلال للمسلمين في غزة، دالاً على انحراف بوصلة دولة الخلافة عن الاهداف الاساسية الى اهداف فرعية، و التي استخدمت لترويجها مختلف المبررات و القراءات الشخصية لآيات القرآن و تفسير سلوك السلف الاسلامي.
فلو إن كل أنسان حاول التعبير عما يدور في رأسه بخصوص كلام الله و تفسيره لأمتلأت الارض بالانبياء و الاديان؟!
و بالتعريج على موضوع الحروب داخل الديانات اليهودية و المسيحية او الجماعات البوذية و الهندوسية، فنلاحظ انها قد توقفت و توجهت الى الصراع مع غيرها من الاديان، بينما يرتد الينا البصر خاسئاً حينما نرى ما بات عليه الاسلام، و الذي لا زال في حالة صراع مع نفسه ؟!
الاسلام اليوم هو الدين الاكثر انقساماً في العالم، و المعيب إن المسلمين يوثقون تلك الانقسامات لكنهم لا يعترفون بها من جانب أخر.
مهما صغر او عظم تفصيل ما في الاسلام إلا و كان الاختلاف رفيق المسلمين فيه، حتى في طبيعة الله و صفاته، ولادة نبيه و وفاته، القرآن وقت نزوله و جمعه و آياته و تفسيرها، عقائد او فقه كل هذه عناوين لأنقسام المسلمين بالطول و العرض.
الحقيقة الواضحة في حياة المسلمين فيما بينهم هي إن الحرب كانت رفيقهم كالظل، و لم تتوقف بل تخمد زمنناً لتشتعل في موعد أخر، و لابد للراصد ان يتوقف ملياً عند تعبير المسلمين الشائع ( إن الفتنة نائمة ملعون من أيقظها ) فالنائم لابد له من يقظة شاء ام أبى .
الدولة الاسلامية مثلاً تعودت ان تتهم خصومها من جبهة النصرة او حماس او غيرهم بالعمالة لقوى خارجية مبررةً عدائها، و يتصدر عنوان الصحوات سجل اتهاماتها، و بالمقابل فأن الاخرين يتهمون الدولة بالتعاون مع نظام الاسد او الصهيونية العالمية لإفشال مشاريع المقاومة في المنطقة، تبريرات مضحكة و مبكية في نفس الوقت.
اما الحقيقة المفروغ منها إن ابناء الاسلام بكافة الوانهم، انقسموا فيما بينهم و المشكلة إنهم لايريدون الوقوف على هذه الحقيقة، لذا تراهم يتهمون الشيطان او اطرافاً خارجية بالتحريض و يستعيرون كلمة (فتنة) لوصف الحرب الاهلية الاسلامية الاسلامية، و يعتمدون تعدد معانيها للتخلص من عبء الاعتراف بالحرب فيما بينهم.
إن اي شاردة و واردة تقود المسلمين بالنتيجة الى الخلاف و الأحتراب حتماً و إلزاماً ...
يشتبك المسلمون فيما بينهم من أيام الصحابة في حروب اهلية طاحنة تتجدد في كل مناسبة، معركة الجمل و صفين، يزيد مع الحسين، ثم المختار و اولاد الزبير، العباسيين و الامويين، الناصر صلاح الدين و النصيريين، و اليوم عنوانها الدولة الاسلامية و جبهة النصرة، او الدولة و الجيش الاسلامي، او الدولة مع كتائب القسام و حماس، عناوين متعددة و كثيرة يطول ذكرها توضح صراع أبناء البيت الاسلامي الواحد.
مئات الالاف من الضحايا على مرور التاريخ ملايين الايتام و الارامل، إنخفاض حاد في عدد سكان البلاد الاسلامية مع كل حرب طاحنة، كساد اقتصادي و تعطيل للطاقات، و اليوم عادت من جديد في العراق و الشام، فهما البلدان اللذان كانا عنواناً لإندلاع تلك الحروب على مر التاريخ الاسلامي، حروب في جوهرها مذهبية أو انقسامية داخل المذهب الواحد، كحرب الدولة اليوم مع النصرة، و من هنا يمكننا أن نرصد أستفاقة الفتنة من نومتها.
المذاهب و الجماعات المسلحة في العراق و الشام رصت صفوفها ضد بعضها البعض، و قدم كل طرف نفسه بأعتباره الممثل الحقيقي و الشرعي الوحيد للإسلام.
و الفارقة العجيبة اليوم ان غزة تنحر أمام انظار المسلمين و امام دولة الخلافة و لا تزال الفتنة مشتعلة بين الفصائل المسلحة محرقةً بنيرانها المقاتلين المحليين و المهاجرين الساعين اليها من بلاد اسيا و الغرب، و هم غير مطلعين على ان حقيقة جهادهم قد اشار اليه الرسول الكريم محمد (ص) نقلاً عن الصحابي ابو بكرة نفيع بن الحارث قوله (ص) : ( انها ستكون فتن، ألا ثم تكون فتنة، المضطجع فيها خير من الجالس، و الجالس فيها خير من القائم، و القائم فيها خير من الماشي، و الماشي فيها خير من الساعي إليها، ألا فإذا نزلت او وقعت، فمن كانت له أبل فليلحق بأبله، و من كانت له غنم .... و من لم يكن له شيء من ذلك فليعمد الى سيفه، فيدق على حده بحجر، ثم لينج إن استطاع النجاء، اللهم هل بلغت ... اللهم هل بلغت) صحيح الجامع للألباني ص2340.
ذل و هوان يعيشه المسلمون يكشف عن الواقع الذي تنبأ به النبي (ص)، جحود و اساءة للهوية الاسلامية التي يحملها ابناء الاسلام بالنتيجة اعطت الضوء الاخضر للصائل اليهودي النجس أن يتمكن من ارواح اخواننا و اخواتنا في غزة و فلذات اكبادنا و نحن غثاء كغثاء السيل.
ليس بالامر الصعب او المستحيل ذاك الذي طرحته من قبل و أطرحه اليوم من جديد .... لماذا لا يتفاوض المسلمون مع بعضهم ؟!!
الرسول الكريم (ص) تفاوض مع كفار و مشركي قريش في الحديبية، المسلمون تفاوضوا مع المسيحيين في الحروب الصليبية، و تفاوض العرب مع البريطانيين و الفرنسيين و الامريكيين، و تفاوض الفرس مع الاوربيين و لا يزالون حول برنامجهم النووي، لكننا نرى ان الدولة الاسلامية تطرح هدنة ليست بمحلها مع اسرائيل و من جانب واحد، بينما نرى استباحة الدم المسلم من جهة هؤلاء الانجاس اليهود، إنها قراءات شخصية كما ذكرت لايات القرآن يستدل بها قادة واتباع الدولة لعدم مقاتلة اسرائيل و يكتفون بمقاتلة ابناء جلدتهم من المسلمين.
لا تكاد تجد فئة او جماعة او قبيلة او دولة إلا و لها مفاوضاتها مع غيرها، لأن اصل الحياة بالكامل يقوم على التفاوض، لكن الذي لم يحدث هو تفاوض المسلمين مع بعضهم.
إن المانع من ذلك على ما اعتقد هو عدم اهلية العقل المسلم للتفكير بحلول للمشاكل، أو ربما وجود اعتقاد خاطئ لدى الطرفين المتقاتلين بأن النصر قريب و ان هزيمة الاخر ممكنة، و هي قراءة خاطئة و عمياء للتاريخ الاسلامي و نتائج حروب المذاهب، فلم نجد ما يشير الى ان طرفاً من الاطراف أو مذهب من المذاهب استطاع ان يمحو الطرف الاخر.
البيت الاسلامي الكبير ليس بخير بل ان الامر وصل حداً كارثياً مع تطور وسائل الاتصال و بروز مواقع التواصل الاجتماعي، فالتغريدات المتعددة لأبناء الدولة و اتباع النصرة جعلت من العائلة المسلمة جزءاً من المعركة، فالاب يندفع و الام تهلل و الاخوان يتصارعون و لكل شخص اسهاماته، فانتقلت المعركة الاسلامية الاسلامية من الجبهات العسكرية و من المساجد و المقاهي الى داخل البيوت.
صفة رائعة تلك التي يتمتع بها ابناء القبائل البدوية، إنهم يتحدون عادةً حينما يواجههم أي خطر خارجي و من ثم يعودون بعد زواله الى حالة التنافس و الصراع، و كما يردد العرب مثلهم المعروف ( انا و ابن عمي على الغريب ) من هذا المفهوم البسيط اخاطب المقاتلين الساعين للألتحاق بمعارك اخوة الدين و اخاطب ايضا باقي الحركات الجهادية الى ترك هذا العداء جانباً وأن تضع يدها مؤقتاً بيد كتائب القسام لردع و رد العدوان الصهيوني من خلال لجنة المناصحة التي دعا اليها سابقا شيخ الاسلام اسامة بن لادن (تقبله الله) تضم كافة الفصائل الجهادية، تعمل على التمهيد لعقد هدنة بين الاخوة المسلمين أولاً و توجيه السلاح ثانياً الى خارج البيت الاسلامي و بالتحديد ضد الاحتلال الاسرائيلي.
و في حال تعذر مثل هكذا أمر و لا اراه بعيد التحقق عن همة العقلاء من ابناء التنظيمات الجهادية، فالحل بسيط و ممكن في ظل التمكين الذي حصلت عليه بعض جماعات الجهاد، ويتلخص في وضع خطة من قبل القادة الميدانيين المتصدين لسوح الجهاد اليوم و من اهل الغيرة و الحمية على الدم المسلم في غزة و فلسطين، تقوم هذه الخطة على نقل ساحة الجهاد الى الضفة الغربية، ثم الى قلب مناطق اليهود في تل ابيب و القدس الغربية عن طريق العمليات الاستشهادية التي يقوم بها اسود المهاجرين، و التي ستكون بمثابة الرادع الحقيقي للعدوان الاسرائيلي، وأن يتم إنشاء الخلايا الجهادية في المدن العربية في اراضي الـ48 ، و من المهاجرين الاوربيين حصراً لأرتفاع الشكوك حول تواجدهم هناك، و في النهاية يعلم الجميع ان مثل هذه المعركة لا لبس فيها فهي معركة كفر و ايمان، و ليس معركة بين الاخوان، فأصبع السبابة الذي يرفع لتوحيد الله من قبل مسلحي الدولة و النصرة و كتائب القسام وباقي المسلمين لا يمكن ان نجعله اصبعاً للعداوة و الوعيد فيما بينهم كما نرى اليوم.
يجب على الكل تهيئة فلسطين كل فلسطين لتصبح جحيماً مشتعلاً على اليهود، فكل قصف على غزة يتبعه تفجير سيارة او عملية استشهادية في اي مكان من فلسطين، و أن لا تقتصر المعركة على غزة و اهلها المساكين، بل يجب ان يتوزع الحمل على كل فلسطين لتشتيت الاعداء.
ان هذا الوقت هو الوقت المناسب لتطبيق هذه الخطة الجهادية التي تختزل دماء المسلمين و تحقق الهدف السامي للجهاد الاسلامي الذي رسم معالمه الشيخ اسامة بن لادن، فقد آن الآوان لتغيير دفة سفينة الجهاد بعد أنحرافها عن مسارها الصحيح و استلام زمام المبادرة من قبل المجاهدين الصادقين و ليس الساعين للفتن و المكاسب و أحياء الاصنام، يجب أن يكون التغيير منبثقاً من العقلاء المصلحين من داخل الجماعات الجهادية في الدولة او النصرة لفتح ساحة الجهاد في فلسطين المحتلة، ليأتيهم المدد من انصار بيت المقدس في مصر و من الحركات الجهادية في لبنان و معان ليكون الثأر لشهداء غزة أولاً قبل نصرة مسلمي بورما و افريقيا الوسطى.
  


السبت، 26 يوليو 2014

موقف الدولة الاسلامية من احداث غزة

غزة اليوم تشتعل و يذبح اطفالها و نسائها و شيوخها على يد اليهود في افظع حرب خاضتها.
اليوم تميزت احداث غزة عن الامس كونها قد اصبحت ولاية من ولايات دولة الخلافة الاسلامية و يدين الكثير من ابنائها بالولاية لخليفتها البغدادي.
دولة توفرت لها اسباب التمكين كما سمعنا من الشيخ العدناني، و زالت معها موانع تمددها، مال و سلاح و مجاهدين من شتى البلدان، حتى صواريخ سكود بعيدة المدى هددت قطر قبل مدة لألغاء كأس العالم عام 2022.
بيان من الشيخ البغدادي اول الخلفاء في هذه الدولة، يطلب فيه الثأر لمسلمي بورما و افريقيا الوسطى من المستضعفين في الارض مردداً بعباراته (و الله لنثأرن و لو بعد حين).
تقارير ميدانية و مقاطع على اليوتيوب اكدت ان سرية ابو النور المقدسي التابعة للدولة الاسلامية اغلب افرادها هم من ابناء غزة، اضافة الى انصار و كتائب للدولة في سيناء و معان الاردنية و باقي المناطق المحيطة باسرائيل او القريبة من غزة، انتشار كمي و نوعي و بأمكانيات لايستهان بها سببت الاحراج للجيش المصري بأكثر من مناسبة.
مع كل ما تقدم فإن ما اثار الدهشة هو موقف الدولة الاسلامية و خليفتها البغدادي من الاحداث الجارية في ولاية غزة، أكثر من ( 1052 ) شهيد و ستة الاف من الجرحى.
(20) يوماً منذ بدء العدوان و لا يزال الصمت عنواناً لموقف الدولة و قادتها، بل رشح العكس، فأنتشرت الكثير من التغريدات و التدوينات من صفحة تستخدمها الدولة الاسلامية في نشر اخبارها و بياناتها، تقول " ان الله في القرآن الكريم لم يأمرنا بقتال اسرائيل او اليهود، حتى نقاتل المرتدين و المنافقين".
تساؤلات وجهها بعض الاطراف لأتباع الدولة الاسلامية حول امكانية قتال اسرائيل، جاءت الأجابة عليها في تغريدة منفصلة نشرت في كافة وسائل الاعلام هذا نصها " الجواب الاكبر في القرآن الكريم، حين يتكلم الله تعالى عن العدو القريب و هم المنافقون في اغلب ايات القرآن الكريم، لأنهم اشد خطراً من الكافرين الاصليين.... و الجواب عند ابي بكر الصديق حين قدم قتال المرتدين على فتح بيت المقدس التي فتحها بعده عمر بن الخطاب".
و لا اعلم اين هذا الكلام من سيرة النبي (ص) و من صفحات التاريخ الاسلامي؟!! ألم يعلم ابناء الدولة الاسلامية ان الله تعالى انزل سورة تامة في المدينة بأسم سورة المنافقين .. و هؤلاء المنافقين كانوا في المدينة مع النبي (ص) لكنه لم يقاتلهم و تركهم و شأنهم، بل على العكس مما تقولون، حيث انه (ص) سار بجيوش المسلمين و الصحابة الاجلاء لقتال يهود المدينة، فقام بفتح حصونها وقتل مقاتليها في خيبر وغيرها.
لقد غاب عن اتباع الدولة الاسلامية و قادتها قوله تعالى ( لتجدن اشد الناس عداوةً للذين امنوا اليهود) و لم يقل المنافقين؟!! الاحاديث النبوية كثيرة في هذا السياق، فعن ابي هريرة قال: قال رسول الله (ص) :"ما خلا يهودي قط بمسلم إلا هم بقتله".
مزيداً من التغريدات لأتباع الدولة تصف حماس بأولياء الروافض ولا يحل على المسلمين نصرتهم بل قتالهم اوجب.... إن من يطلع على هكذا تصريحات لا يجد فائدة مرجوة للمسلمين في اطلاقها، بل انها تلميحات تعطي الضوء الاخضر للكيان الصهيوني في قتل الناس في غزة، فالاحتلال لا يميز بين قتلى المسلمين في غزة سواء كانوا من حماس او من السلفيين.
و على فرض وجود خلاف عقائدي و مذهبي بين الدولة الاسلامية و حماس يدعو لنشوب الحرب بين الطرفين، فأقول إن خلاصة التاريخ تنقل لنا ان الحرب المذهبية لم ينتج عنها اختفاء مذهب من المذاهب، فما من طرف بقادر على محو الطرف الثاني، و الحرب بينهما ستظل سجالاً ما دامت السماوات و الارض.
لذا و كما يعرف الجميع ان للحرب ثلاث وجوه، اما نصر او هزيمة او هدنة (صلح) ... فلماذا لا تعقد الدولة الاسلامية صلحاً مع حماس لمدة محدودة، و تشارك في قتال اسرائيل؟!
ألم يعقد رسول الله (ص) صلح الحديبية مع الكافرين؟!!
إن الانقسام الطائفي و الفكري لازم المسلمين، فلو تمعنا قليلاً في التاريخ كما اراد الله عز وجل ان نعتبر من الماضين، لوجدنا إن الحروب المذهبية حدثت داخل الجماعات اليهودية و داخل الجماعات المسيحية (الكاثوليك و البروتستانت)، إلا ان حرب المذاهب أختفت في كافة الديانات .... ما خلا المسلمين!!
الشيخ المجاهد اسامة بن لادن كان بالفعل رجلاً حكيماً و مجاهداً من الطراز الاول، ترك سجال الطوائف البغيض جانباً و ركز كافة امكانياته المادية و العسكرية و المعنوية بأتجاه ضرب امريكا و مصالح اليهود، فبالرغم من قلة تلك العمليات إلا ان امريكا لا زالت حتى الآن تعاني انهياراً اقتصادياً و معنوياً كبيرين.
و لازالت بياناته في احداث غزة 2008 تقرع رؤوس الطغاة من اصحاب الدول الذين سكتوا و ارتضوا التطبيع مع اسرائيل، و لم يغضبوا لتلك الدماء التي سالت انذاك.
فقط العاقل و اللبيب يفهم ان الخلافات الفكرية و العقائدية كلها تتبخر امام المحتل اليهودي.
إن صمت الدولة الاسلامية و مجلس شورتها امام ما يحدث في ولاية غزة، ثم تبريرها عدم قتال المحتلين الصهاينة لأمر فادح، يهدم اهم ركن من اركان تكون تلك الدولة، فالكل يعلم ان اساس نشوء الدولة الاسلامية كان في العراق لأجل مقارعة المحتل الامريكي....تناقض في الافعال مقابل الاقوال، فأين شهداء غزة اليوم من طلب الثأر لمسلمي بورما و افريقيا الوسطى؟ّ! ... أم ان تقولوا ان اهل غزة من الروافض و جلهم كما تعلمون يقاتلون معكم في الشام؟؟!!
من المعيب حقاً على الدولة الاسلامية و خليفتها ابراهيم البغدادي، ما يتم تداوله حول احداث غزة، ففي ذلك اجهاض حقيقي لمفهوم دولة الخلافة و القائم على رد المظالم في جميع اقطار المسلمين، و لو كان ذلك بأضعف انواع الايمان!!
أن نرى الاف من المتظاهرين مسيحيين و يهود جابوا شوارع اوربا في بريطانيا و فرنسا و غيرها منددين بجرائم الكيان الصهيوني!! مطالبين حكوماتهم بوقف التعامل مع مجرمي اليهود في اسرائيل، وفتح تحقيق دولي لمحاسبة القتلة الذين اراقوا دماء المسلمين في غزة... بينما نرى هذا الموقف المخجل من الدولة الاسلامية؟؟!!
الخلافة و دولتها ليست منصباً يعطى، بل هو عبارة عن تفاعل حقيقي مع قضايا الدين و الامة الاسلامية، كما اوضحها الخليفة الراشد عمر بن الخطاب (رض) : " لو ماتت شاة على شط الفرات ضائعة، لظننت إن الله تعالى سائلي عنها يوم القيامة" و بهذا الكلام أختم مطلبي.
   

الأحد، 20 يوليو 2014

الدولة الاسلامية و شبهة الاصنام


بعد ان بينا في الموضوع السابق مدى حساسية الدولة الاسلامية تجاه المكان بما يحمل من اسباب الشرك بالله، ظنا إن اصنام هذا الزمان تتمثل بالحجارة و التمر و الخشب الذي صنعت منه في السابق اصنام اللات و العزة و مناة، فأقول إن انسان القرن الواحد و العشرين ابعد ما يكون عن هذه الافكار البالية و الاعتقاد غير المنطقي في حسابات عصر الانترنت، فالاسلام قد قضى نهائيا على فكرة الوثنية الحجرية او المكانية الصورية.
ان اصنام قريش موجودة في كل زمان فقط تبدل ثيابها في كل مناسبة، و يخطئ من يظن ان الصنم مرتبط بالتمثال من حجر،و على قول احد الفلاسفة: تبدل في كل حال مناة ... شاب بنو الدهر و هي فتاة.    
فالموضة اليوم تلخصت في عبادة الشخصية، و قصة الوثنية في عالم العروبة اصبحت وثنية سياسية و دينية بشرية فكرية تنطق مع العباد تأمرهم و تنهى و هي من اعقد انواع الاصنام على الاطلاق و اكثرها خطورة من اصنام الحجارة.
و لمعرفة مفهوم الصنم و مواصفاته هذه الايام فانه بشري يتظاهر دوما بأنه بسيط في كل شيئ و لا يتكلم كثيرا الا في اوقات الضرورة، و يأخذ السدنة ممن حوله مهمة الكلام و التصريح، فيوحون الى العباد زخرف القول غرورا، ليفرضوا على عقولهم الانصياع و الرهبة امام سيطرته، فهو فوق النقد و الخطأ، بل يستحق التعظيم و الزلفى.
 و في الفترة الاخيرة اصبحت الزعامات الدينية هي خير وسيلة يستغلها هؤلاء السدنة المنتفعين على حساب الضعفاء و المخدوعين، مستغلين حب المسلمين و شوقهم لأحياء السنة و الدين.
لقد حلت مجتمعاتنا الدينية في المنطقة بكل طوائفها ضيفا مبجلاً على الوثنية مع الاسف الشديد، بل وصل حداً كارثياً بتقديم القرابين البشرية من خلال خوضها حرباً ضروساً، أينما يأمر الصنم يزحف الزاحفون و هم لا يعقلون!!
 الجماعات الجهادية بدورها و التي قدمت نفسها بقوة من خلال التوحيد، كانت ايضاً صيدا سهلا وقع في شراك الصنمية غير ملتفتة الى هذا المرض الخطير المتخفي، و السبب على ما اظن هو في ضعف معرفة و تشخيص الحقائق، فعدم المعرفة هو وثنية، فحالما تغرب الفكرة يبزغ الصنم و العكس صحيح.
و لكي لا يبقى المتسائل في حيرة، أقول انه قد بدأ الموضوع كله في العراق بعد الاحتلال الامريكي مباشرة، و مع الشيخ ابو مصعب الزرقاوي، حينما كان اميراً لتنظيم قاعدة الجهاد في العراق، فبعد ما تحقق من عمليات نوعية ضد الاحتلال، اخذ نجم الشيخ يعلو شيئا فشيئاً، و اصبح الدعم المادي و المعنوي ليس كبادئ الامر بل افضل، عندها اعلن الشيخ الزرقاوي عن نواياه و بات غير مهتما لما يمليه عليه شيوخه من قادة تنظيم القاعدة العالمي، و لم تأتي بنفع رسائل الشيخ اسامة بن لادن او غيره من الامراء، و اعانه على ذلك العصيان من هم حوله من ابناء تنظيم الدولة الاسلامية في العراق، و كان هذا التصرف خارج اطار الشرعية، فتصرف ابناء الدولة انذاك تصرف عاطفي بحت ناجم من خلال كاريزما الشيخ الزرقاوي التي وجدت مكانها في قلوبهم، غير ملتفتين الى الخطأ الشرعي الذي وقع فيه الشيخ، و الذي زرع اول بذور الخلاف و الصنمية و التحزب للأشخاص على حساب الطاعة الالهية.
الشيخ الزرقاوي فتح الباب على مصراعيه امام الاخرين لنكث البيعة حالما تتعارض المصالح، فبعد أن احس الشيخ البغدادي ان الامور ستخرج عن سيطرته في الشام سارع الى اعلان ضم جبهة النصرة، الامر الذي رفضه الشيخ الجولاني لكي يتحول اتباع الشيخ الزرقاوي الى قسمين كما نسمع، ناكثي بيعة في النصرة و غلاة خوارج في الدولة .
المقاتلين من المهاجرين وقعوا في حيرة كبيرة من امرهم و لازالوا، عندما رأوا ان السوريين تحولوا مع الشيخ الجولاني، و العراقيين ألتزموا الشيخ ابو بكر البغدادي، فاصبحت الضابطة قومية أكثر من شرعية، و استمر الى هذه اللحظة اتباع الظن و الرغبة يخيم على اختيارات المقاتلين و ولاءاتهم، تراهم مذبذبين بين شخص البغدادي او الجولاني؟؟!!
ثم نطق الرجل الحكيم كما يعرف عنه بما لا يحمد عقباه، فحاول الظواهري فض النزاع بين الشيخين الجولاني و البغدادي لكنه زاد الطين بلة، و وضع الجولاني تحت أمرته، ليعيد لأبناء تنظيم الدولة صفعة قديمة قد تلقاها سابقاً منهم، حينما بايعوا الزرقاوي، فالظواهري كان من اشد المعترضين على تصرفات الاخير في العراق و عدم احترامه لرؤية شيوخه في تنظيم القاعدة.
و لا ارى اي ضابطة علمية او شرعية يحملها هذا الرجل، فالموضوع لخصه الظواهري لنا بصراعات نفوذ و أموال و مرجعيات يأمل ان يجني ثمارها هو وغيره في ساحة الشام، و الكلام موجه هنا الى ابناء تنظيم القاعدة ايضاً، والذين جعلوه اميراً عليهم في منصب كان يشغله الشيخ الحكيم اسامة بن لادن و الذي كان كفؤاً و حريصاً على اتباعه.
إن من نتائج الصنمية الجديدة هو ما اشعل مواقع التواصل الاجتماعي في تويتر و غيره بمختلف التغريدات التي تحمل انواع التهم و الاساءات، والتي اصبحت صيداً ثميناً لوسائل الاعلام، تكشف فيه عن حجم الخلاف الذي اصبح عليه اتباع الشيخ الزرقاوي، خلافات كبيرة ذهب ضحيتها و لا زال مئات القتلى في الرقة و دير الزور، اصبح معها المهاجرين حطباً لتصفية الحسابات بين قيادات التنظيمين، فخطب ابو ماريا القحطاني و ادعاءاته لا تزال مع خطب الشيخ العدناني تحز ارواح الكثير من ابناء التنظيمين، ليجدوا الموت يطاردهم صبراً في بيعة الاصنام.
الامر اصبح اكثر من مخجل تغريدات تناولت تحرير زوجة الشيخ البغدادي على يد جبهة النصرة، ليفتح الباب على مصراعيه امام مهاترات كثيرة بين اتباع الدولة و اتباع النصرة لا تعكس ادنى مستوى من التعقل و المعرفة، فأصنامهم قد انستهم ذكر ربهم.

 المتابعين كلهم قد رصدوا على الدوام حركة يفعلها اتباع التنظيمات الجهادية ميزتهم بهاعن غيرهم، و هي رفع اصبع السبابة نحو السماء اشارة الى توحيد الخالق، إلا ان الراصد لأفعال ابناء التنظيمين في سوريا يرى ان هذه الحركة اصبحت طريقة ليسبوا بعضهم البعض و يتوعدوا بعضهم البعض بالقتل، اشارة الى انحراف المسار عن موضعه و تقديم طاعة المخلوق على الخالق.
إن هذا هو الذي اختلط على عدي بن حاتم عندما جاء فدخل المسجد و الصليب معلق في رقبته وهو مسيحي و الرسول (ص) يقرأ اتخذوا احبارهم و رهبانهم اربابا من دون الله... 
إن عدي استفظع الموضوع، كيف يتحول الحبر والراهب بضربة واحدة إلى رب؟ فشرح له ص :  
إنهم حرَّموا عليهم الحلال وأحلوا لهم الحرام فذلك عبادتهم إياهم... 
انها مشكلة اعتقال العقل بالوهم ...و استرهبوهم و جاءوا بسحر عظيم.
اين الاصنام إذاً هل هي في افغانستان او في بابل و اشور، هل هي اصنام بوذا و النمرود، ام سدنة الدين و قياداته؟؟!!
ان اختلاط هذا المفهوم و عدم تحرير العقل منه يجعل الانسان في ضباب كثيف، و عطالة في التحرر من الوثنية الحقيقية، فالعقل الاسلامي و الجهادي حالياً اصبح يعاني الاختناق بنقص الاوكسجين.
إننا كمسلمين نضرب في المكان الخطأ كما ينطح الثور الاسباني خرقة المصارع، و هو يظن انه يحسن الصنع، انه يبدأ دوماً بالهجوم لكي يموت بعد ذلك امام جمهور يصفق بحرارة من غير ملة الاسلام!!
هكذا تكون القرابين بشرية في عصر التطور و الحداثة، فإذا كانت الوثنية و الاشراك قديماً تعد جهلاً، فالجهل هذه الايام في حقيقته وثنية و صنمية، فالعناوين تأخذ مأخذها من الناس دون تفكر.. 
إن معركة التوحيد التي قادها الانبياء في التاريخ لم تكن غيبية جدلية تتخذ من علم المنطق و الكلام ساحتها، بل كانت واقعية اجتماعية سياسية تدور حول السلطة و المال و النفوذ و المرجعية و الجنس، فقصة شعيب اقتصادية و لوط جنسية و فرعون سياسية، فكلها من رحم الشيطان خرجت لتعود متجددة هنا، فكل من ادعى الايمان لا بد ان يفتن بالبلاء و لا زالت التصفية مستمرة ليميز الخبيث من الطيب.

الاثنين، 14 يوليو 2014

الدولة الاسلامية و فوبيا المكان

كانت الكعبة أيام الجاهلية مجمعاً لألهة العرب وقد أختلف الرواة في عدد الأصنام ومكانها، فبلغوا العدد 365 بعدد أيام السنة، وقالوا إن بعضها ثبت على ظهر الكعبة والآخر داخلها، وأجمع هؤلاء على إن تطهيرها من الآصنام جرى في يوم فتح مكة سنة (10هـ )، حيث أشارت روايات كثيرة إن الرسول (ص) قام بتحطيم الأصنام بواسطة قوس كان بيده، ما يطعن به صنماً إلا خر على وجهه، ومما يذكرأيضاً إن بعضها إلقي في الأبار وبعضها أندثر تحت الرمال.
الدولة الإسلامية في عهد النبي محمد (ص) سعت إلى محو أثار الجاهلية، التي كانت منتشرةً أنذاك في جزيرة العرب ليس من خلال تكسير الاصنام فقط، بل حاولت جاهدةً أيقاظ العقول العربية، التي كانت ولازالت تغط في نومٍ عميق دون جدوى.
واليوم في موضوعنا هذا نتكلم عن أهمية المكان في الإسلام، والذي يحسدنا عليه اليهود والنصارى، فكلنا يعلم إن هيكل سليمان الذي يبحث عن اليهود كان تاريخاً بدون مكان، وكنيسة المهد للنصارى كانت مكاناً بدون تاريخ، فيما كانت الكعبة والمسجد النبوي مكاناً منحه الإسلام تاريخه وعمقه العبادي وجعل العبادات الآلهية مرتبطة به كما لا يخفى.
الكعبة أيام الجاهلية سلخت من تاريخها وجاءت دولة الإسلام الأولى وأعادتها إلى التاريخ وأعادت العرب معها إلى العمارة والهندسة، حيث دخل المسجد كمكان بأبعاد هندسية إلى الحياة العربية وسبقه الجبل والغار، ولحقه الخندق والمنبر ثم تسنيم القبور ( رفعها عن الأرض بمقدار)، ومع تطور الزمان جاء المحراب والمآذنة والحمى والمصر فتعددت الأمكنة، وأصبحت تلكم الأماكن شواهد على بزوغ الحضارة الأسلامية ومصدر ألهام في العمارة والفنون للشعوب الآخرى.
إلا إن الغريب في الموضوع هو ما تفعله الدولة الأسلامية الحالية وخليفتها البغدادي، والذي يعاني مع أتباعه فوبيا المكان، وحساسيتهم المفرطة أزاء الشرك من خلال التعلق بالمكان، ولا أعلم من أين جاءوا بتلك الهواجس، فالأسلام دين زمان ومكان، أما الزمان فهو الصلاة والصوم وأما المكان فهو القبلة والحج والأعتكاف والسير في الأرض لرؤية آثار الماضين للأعتبار.
فمن أين للبغدادي وأتباعه ذلك العداء المعلن لأثار الماضين، حيث نراهم يسيرون على سيرة طالبان في تفجير المواقع الأثرية، وتكسير التماثيل ورفع راياتهم السوداء فوقها؟!
 قد يتسائل القارئ مستفسراً أين كان الرسول (ص) وخلفائه الراشدون عن تلكم الآثار والأصنام عندما فتحوا العراق والشام، مع كل ما تحوي من المظاهر في بابل وأشور وتدمر وآثار الرقة وبصرى وغيرها، لماذا لم يحطموها ويرفعوا راية الأسلام فوقها كما يحدث الآن؟؟ هل هذا الأمر يدعو إلى الشك في توحيد الأولين من المسلمين و في عدالة الخلفاء الراشدين بتركهم تلك الأصنام دون تحطيم أم ماذا؟!!
أم هل جاء البغدادي وأتباعه بدين يختلف عن دين محمد (ص) والذي روي عنه دعوته المسلمين المارين بهذه الآثار إلى الأعتبار والبكاء حتى لا يصيبهم ما أصاب اولئك القوم المعذبين بعذاب سماوي، كمدائن صالح النبي صاحب الناقة التي عقرها قومه وحكى القرآن عن قصة عذابهم.
وهنا يثار تساؤل  مهم، وهو ما الفائدة المرجوة من محو مكان يحكي قصة القرآن ويثبت آياته، ومن هو المستفيد برأيكم من محوها، أتركها لذوي الألباب وما يعقلون؟!!
لم يعرف الأسلام الاعتراض على المكان، فالمكان حامل للزمان، فنحن لدينا أوقاتاً للصيام والصلاة والحج والأعياد والجمع، فيما لدينا مكانياً الكعبة والصفا والمروة والجمرات وعرفة والمسجد الأقصى والمسجد النبوي والمساجد قاطبةً ومقام ابراهيم، وكل من هذه الامكنة جعلها الأسلام شرطاً في قبول الطاعات والعبادات لوجه الله تعالى، فهل هذا شرك ايضاً أم ماذا ؟؟!!
وهل سنشهد في دولة الخلافة الجديدة طمساً  لتلك الامكنة بحجة الشرك بالله، كما حدث مع بيت الرسول (ص) في مكة واخراج زمزم من الحرم المكي وألقاءها في الشارع وأهمال غار حراء بل التحريض عليه ودفن الخندق الذي حفره الرسول والصحابة، ثم الكرة على جبل الرماة والشق الجبلي الذي آوى النبي محمد (ص) بعد معركة احد وطمس هذه المعالم التي تحكي قصة الأسلام.
 أما الموضوع الآخر الذي يدور في فلك المكان، ويعكس ايضاً عن الحساسية المفرطة للشرك أزاء المكان هو هدم القبور، حيث عمد أتباع دولة الخلافة في العراق والشام الى تفجير مراقد الانبياء والاولياء في مناطق نفوذهم، فلم يسلم أخيراً حفيد الخليفة الثاني عمر بن الخطاب (رض) من التفجير الذي أصاب مرقده والذي جعله دكاً في الموصل.
وأوجه الكلام مستفهماً الى اتباع الدولة الجديدة عن أمر مهم، وهو أن كان الناس قد بنوا هذا المرقد ووضعوا المنائر والقباب فوقه، وجعلوه معلماً من معالم الشرك كما تصفون، فما الداعي الذي يدفعكم إلى اقلاق روح هذا الولي المطمئن في قبره وافزاعه باصوات التفجير الناتجة من السي فور والتي ان تي، فلو راعيتم حرمته لأمكن لكم تهديم تلك البدع كما تدعون بالمعاول أو بعض الاليات.
ما ذنب هذه الارواح المطمئنة التي حوتها هذه القبور، حتى تكون ساحةً لصراعاتكم العقائدية مع من تختلفون، مستخفين غير ابهين، مما يفسر تلك التصرفات على أنها أهانة لقدر الانبياء والاولياء والتابعين الماضين واستخفاف بقيمتهم مما يتنافى مع تعليمات الدين الحنيف.  
إن ظاهرة هدم القبور والاثار الاسلامية في العراق و الشام و جزيرة العرب تحتاج الى وقفة طويلة وبيان، فالديانة الاسلامية تلزم معتنقيها بدفن الموتى بعد مراسم غسل وحنوط وتكفين ولحد ورفع مستوى القبر بمقدار مع صلاة على الميت، فيما أن هنالك ديانات تحرق الموتى وتنثر رمادهم او تطعم الجثث للنسور في اعالي الجبال بعد تقطيعها، كما ان عرب الجاهلية لم يفقهوا شيئا عن الدفن و القبور و لم يزوروا موتاهم قط اعتقادا بأن الفانين لن يكون لهم معاد حتى جاء الاسلام و غير تلك النظرة، و هنا يثار تساؤل منطقي وهو هل يعقل يا اتباع الدولة الاسلامية أن نصلي على الميت، ثم نعتبر زيارة قبره شركاً موجبين هدمه؟؟!!
أو اننا نعطي في الاسلام مناسبة الموت كل هذا الاهتمام، ثم يتلبسنا الخوف من الشرك بسبب القبور؟؟!!
ليس للمتابع أن يضع دوافعكم في محو الاسلام المكاني الا في خانة روح البداوة والصحراء التي تمنعكم من رؤية الجمال و الابداع و الاحساس بالايمان المصاحب لتلك الامكنة ذاك الذي يجعل المؤمنين يعيشون لحظات التفكر و التأمل التي ارادها الاسلام ومنها الوصول الى حالة من الانغماس الروحي تحيي بها القلوب الميتة عن ذكر الله. !!
الحق اقول لكم أنكم تحاولون قتل الاسلام المكاني لكي يفقد الاسلام الزماني معناه.
إرث مكاني يتعلق بمليارات البشر على مر العصور، وهو محط أنظار البشرية كلها بسبب أممية الدين الاسلامي تحاولون شطبه من قائمة الوجود.
إن الذي حصل في أماكن تواجدكم وما سيليه هو تضييع للمكان كمفتاح لمعرفة الزمان. حتى يعجز اللاحقون عن دراسة الاسلام والامم السالفة مكانياً، في حين أننا نرى أهل الديانات الاخرى ينقبون عن أديانهم في باطن الارض، بينما تتم أزالة الدين الاسلامي.
و لا اعلم كيف غاب عن الخليفة البغدادي وأتباعه ما فعله الفاروق عمر (رض) والمسلمين التابعين حينما أمروا ببناء مسجد يعبد فيه الله قرب الصخرة التي عرج منها الرسول محمد (ص) في بيت المقدس، فهل في هذا  الفعل اشراك للصخرة مع عبادة الله؟؟!!
أن الخوف من المكان والتخويف منه دخل الاسلام متأخراً جداً، ودخل من قبل فرد أنتم تنتهجون فكره وتطبقون أرائه، ذاك الذي أتخذته احدى الأسر نواةً لمشروعها السياسي المشبوه في المنطقة، والذي فضحت معالمه مذكرات مسترهمفر.
من فوق الارض تحت سمع المسلمين وبصرهم تمحى أثار محمد والاسلام ولا من صوت يرفع...

الأحد، 6 يوليو 2014

دولة الاسلام في شكلها الجديد


صمم الاسلام نفسه بمرونة تتجاوب و متطلبات الانسان، فمرة خاطب العرب بوعود الملذات الحسية التي تناسب جسمانيتهم الطاغية، و مرة خاطب الفرس بوجدانية تناسب روحانيتهم، و مرة خاطب الترك من خلال الترغيب على العمل مما يلائم قوتهم و ميولهم للإنجاز. أما الجانب العلمي فيمكن ملاحظة ان هذا الخطاب موجه الى الامم المتقدمة كدول اوربا و الغرب.
لم يقدم الاسلام احكاما قاطعة او بمعزل عن واقع الانسان و تطور حيثيات الحياة، فالكل يعلم إن لحم الميتة حرام لكن ترك الباب مفتوحا امام المضطرين. اما ما قيل في الخمر و تناوله فلازلت اذكر الرواية المنقولة عن ام المؤمنين عائشة (رض) عن النبي (ص)  : ( اشربوا و لا تسكروا)سنن النسائي، و ما نقله ابن عمر عن النبي (ص) : ( من شرب الخمر في الدنيا فمات و هو يدمنها لم يتب منها لم يشربها في الاخرة)سنن النسائي.
فالذي نفهمه من هذا الكلام هو مدى الرحابة التي يقدمها الدين الحنيف، حيث ان القران و السنة النبوية لم تجعل من عقوبة في الدنيا لشارب الخمر، بل جعلتها محرمة عليه في الاخرة.
ان الاحداث المتسارعة الشديدة الخطورة التي تضرب مجتمعاتنا في المشرق العربي و دوله و التي تهدد اسباب الحياة فيها تدعونا الى فرز الاسلام الحنيف عن افعال انصار دولة العراق و الشام، و التي تحمل للمنطقة برمتها فشلا ذريعا للدول و المجتمعات و فشل للدين ايضا.
إن الاسلوب و الستراتيجية المتبعة في نشر رقعة الدولة الاسلامية اختصارا داعش تمثل في جوهرها مطحنة لشعوب المنطقة و البنى التحتية، و آلة استعباد منفصلة عما عرفناه من عوالم العلم و العمل و الدعوة للتي هي احسن تلك التي جاء بها القرآن، فالعداء الصريح للحريات و النساء و الجمال و التعليم الحديث يظهر واضحا من خلال وثائقهم التي اعلنوها في اماكن سيطرتهم مؤسسين بذلك لبناء سلطة شرعية دينية ذات رؤية شديدة الضيق للدين، و منها لنشوء حكم عنصري فائق النخبوية فاشي في معاملته للعامة.
إن من اخطر الافعال التي يرتكبها اتباع الدولة هو جعلهم انفسهم ميزان يوزن به اسلام الاخرين، مما يفتح الباب امام تطاير التهم في كل الاتجاهات، فلا يكاد مسلم يأمن على نفسه من تهمة ما لم تكن رؤيته للإسلام مطابقة مع اسلام دولة البغدادي، ناهيك عما يتعرض له ابناء الديانات المخالفة و الذين حفظ لهم الاسلام هيبتهم و مقدساتهم و جعلهم في حمى المسلمين.
و نحن نعيش في مناطق الدولة الاسلامية هل يتركك انصارها و شأنك دون ان يتدخلوا في شكل ملبسك و لونه و قياساته، حتى في حريمك يكون لهم الرأي في دخولهن و خروجهن. اما ما يخص قصة شعرك فقد وصلوا الى حالة من التعصب ضد الحلاقين حتى افتوا بقتلهم باعتبارهم تهديد خطير للمجتمع كالأمية و الفقر و عمالة الاطفال؟؟!!
في تلك الدولة ... هل يدعك اتباعها اظهار عقائدك مؤتمناً بعدها على حياتك و حياة عائلتك؟
ولماذا يتركز القتل في هذه الدولة دون غيرها سمةً ظاهرةً، و لا يتوفر بدلا عنه حق اللجوء الانساني؟تلك الدولة لا تعطي حق اللجوء سوى لمن امتهن حرفة القتل لا من هرب منها!!
لماذا لا يقدم انصار هذه الدولة اي منجز يستحق الثناء في مجال الحضارة الانسانية كحق العيش بدلا من الذبح؟! إن الامم و الدول الناجحة قدمت لنا نحن العرب و المسلمين عصارة فكرها و انجازها المادي الذي لا زلنا نتنعم بخيراته، بالمقابل ما الذي استطاعت دولة الخلافة تقديمه طوال سني وجودها في العراق، ما خلا الجلد و قطع الرؤوس و تدثير النساء بدلا من تعليم الرجال غض البصر.
و لست ادري كيف تقضي محاكم دولة الخلافة بقطع ايدي السراق دون ان تعالج مشكلة الفقر و العوز؟في حين تتراكم الثروات و الغنائم في ايدي حفنة من القادة المحميين بالمقدس.
لقد جاء بزوغ هذه الدولة كأمتداد طبيعي لما اورثته الانظمة الدكتاتورية في العراق و الشام من قضاء على الحريات و العدالة، فهم تجديد لشباب انظمة الطغيان و سحق لقوى النهوض و التجدد و الحرية في المجتمعات لكي يغلب على مبدأ الدولة و الحريات حرب المذاهب و العشائر و الميليشيات.
إن اللعب الخطير بالدين و توظيفه باتجاه اقامة سلطة الاستعباد، تلك التي يقدمها اتباع دولة الخلافة البغدادية لا تحمل في الافق غير العدم و الظلام، حيث لا اقتصاد و لا تعليم و لا ثقافة و لا اجتماع و لابهجة في العيش و لا كرامة للأنسان و لا احترام بين الناس، فضلا عن انعدام الحريات العامة و الفردية، و هي بمثابة ضربة كبيرة لمقدار التطور الذي وصلت اليه مجتمعات المنطقة و ارتداد عكسي الى عوالم الماضي.
دول كثيرة ملأت بصفحاتها الحمراء كتب التاريخ الاسلامي، سارت من قبل على خطى دولة البغدادي اليوم، لكن اين هي تلك الدول و ماذا خلفت في المجتمعات الاسلامية، فالمطلع على دولة المختار الثقفي او دولة الزبيريين يرى بجلاء مدى التطابق الواضح بينها و بين دولة الخلافة البغدادية من حيث التعاطي مع المجتمعات، و التي لم تجني منها سوى الدماء و كثرة الارامل و الايتام.
رسائل كثيرة يبعثها لنا الماضون ممن وقعوا في شراك تلك الكيانات التي اسست الفرقة و الطائفية باسم الدين، و لم يجنوا منها سوى السيف و الموت تحت ظله، تدعونا الى عدم الخوض في هكذا مشاريع خاسرة و دول ميتة قبل ولادتها.
ان دولة الخلافة لا تفرض على الناس كأمر واقع فلا اكراه في الدين، ناهيك عما يطرحه اتباعها من افكار بعيدة عن روح التسامح الاسلامية، فلا يمكن تصور فرض دولة خلافة بالترهيب و الذبح، فإن مخالفة المنطق القراني الرافض لإكراه الناس يعد تلك الدولة غاصبة للمجتمعات لا يكتب لها النجاح مهما امتدت او استمرت او كثر اتباعها، فالاكثرية ليست حجة بل على العكس (اكثرهم للحق كارهون) و ان المستقبل الذي ينتظر تلك الدولة مشابه للدول التي سبقتها....